فيلم الجريمة والأزمة النفسية ل أحمد عز

خرج الفنان المصري أحمد عز من عباءة أفلام الحركة التي قدمها وآخرها فيلم “العارف” الذي عُرض الصيف الماضي وحقق نجاحا كبيرا، ليدخل منطقة فنية تبدو بعيدة عن دور ضابط الشرطة وعميل المخابرات والفتوة التي جسدها في عدد من أدواره السينمائية والتلفزيونية مؤخرا، ثم سرعان ما عاد إلى هذه النوعية من الأبواب الخلفية في أحدث أفلامه “الجريمة” الذي طرح منذ أيام في دور العرض السينمائي بمصر.

ويشهد الفيلم عودة الممثلين أحمد عز ومنة شلبي للعمل سوياً بعد 11 عاما من تقديمهما فيلم “بدل فاقد” عام 2009.

وتوفّرت للفيلم الذي كتب قصته وأخرجه شريف عرفة الكثير من العوامل التي تجعله مسليا للجمهور، فقد شهدت العديد من دور السينما تزاحما كبيرا عليه في الأيام الأولى من عرضه بسبب ثنائية عز- عرفة، حيث يحظى كلاهما بثقة راكماها من خلال الأعمال التي قدمت في السنوات الماضية والجودة التي تمتعت بها وما حملته من ثقة فنية.

يتعرض فيلم “الجريمة” إلى قصة اجتماعية معقدة مليئة بالغموض والإثارة والتشابك والتعقيدات والتنوع، وهو ما يجعل المشاهد مشدودا إلى الفيلم فترة طويلة ليتمكن من فك ألغازه الكثيرة وفهم أبعاده الغامضة، وكلما اقترب الجمهور من فك أحد الألغاز وجد نفسه في طريق مسدود حيث يدور العمل في حلقات مركبة وغير متسلسلة.

يعاني البطل أحمد عز، أو عادل في الفيلم، من أزمة نفسية نتيجة التربية الخاطئة التي نشأ عليها (وهي واحدة من الرسائل التي قدمها العمل)، إذ ترسخت في ذهنه بعض الأفكار منذ الطفولة زرعها فيه جده (جسده الفنان رياض الخولي) الذي حرص على تنميط الصغير مبكرا بعبارات أو شعارات تحض كلها على استعمال القوة دون تفرقة بين مفهومها الإيجابي ونظيره السلبي أو اختيار توقيت مناسب عند اللجوء إليها.

كبرت هذه الأفكار في ذهن الطفل إلى درجة أنها تمكنت منه وتحكمت في عقله وسيطرت على الكثير من تصرفاته حتى أصبح إنسانا شريرا وقاسيا، ولم تكن العاطفة تلازمه سوى مع ابنه الطفل حسين، وشقيقته التي قامت بدورها الفنانة ميرنا نورالدين، فقد كرس جانبا من جهده للانتقام من زوجته التي جسدت دورها الفنانة منة شلبي.

أسرف المخرج شريف عرفة في جرعة الغموض التي ظهرت من أول الفيلم حتى نهايته، حيث بدأ مشهد البداية بوجود الفنان أحمد عز في مستشفى للأمراض النفسية وهو كبير السن ويجلس على كرسي متحرك ويحكي لابنه حسين الذي قام بدوره الفنان محمد الشرنوبي، وفي النهاية نكتشف أن ابنه توفي وهو طفل صغير، ولا أحد يجلس معه في غرفته، وكل ما دار من حوارات واسترجاع فني محض خيالات، وأن الشرنوبي هو طبيب أمراض باطنية في المستشفى.

قد تكون هذه الحيلة جيدة أو مناسبة من وجهة نظر المخرج لإيصال فكرته بقدر كبير من الجاذبية، وبدت وسيلة أساسية لجذب انتباه المشاهد ليكون حريصا على معرفة الخط الذي يسير عليه الفيلم والتنقلات التي حواها، فقد حفل العمل بشخصيات عديدة، تلتقي وتبتعد حسب السياق الذي رسمه شريف عرفة.

تبدو شخصية عادل مليئة بالحزن والفرح والثراء والفقر والقوة والغضب والانتقام، ويمكن استخدام الكثير من المفردات المعبرة عن أن الفيلم قدم شخصية مضطربة بالمعنى الحقيقي، حيث اصطحبت معها جرعة وفيرة من العنف، كأن أحمد عز يأبى التخلي عن الأكشن حتى وهو يقدم دورا من المفترض أن تكون فيه الحركة أقل.

ظهرت معالم الأكشن بجلاء في إلقاء زوجته في البحر الأحمر ثم إنقاذها بطريقة درامية عندما تذكر ابنه الذي لا يريد أن يلاحقه العار حين يكبر ويعلم أن والده قتل أمه بسبب خيانتها، كأن عقدة الخيانة والقتل متوارثة في هذه الأسرة؛ فقد ضبط والد أحمد عز، الذي لم تظهر له شخصية في الفيلم وظل مجهولا، والدته مع عشيقها وبدلا من أن يقتلها قتلته بالتعاون مع عشيقها وتخلصت منه في مأساة إنسانية تركت رواسبها في عقل الطفل ودفعته إلى الشك والانتقام لاحقا.

قدم الفيلم لقطات عديدة خاصة بالتهيؤات التي تنتاب عادل وجرى فيها الخلط بين الحقيقة والخيال، لكن لم يصل إلى عقل شريحة كبيرة من الجمهور أن الابن توفي في حادث كبير، وهي نقطة تحسب للمخرج لأنها تمت بطريقة غير متوقعة، وتم نسج الأحداث بصورة يصعب فيها توقع مصير الطفل.

وخففت الطريقة التي أدى بها الكدواني دوره من مشكلة رجل الشرطة المتجهم والقوي الذي يحركه تطبيق القانون وعدم الاعتداد بنفسه، وهي النقطة التي أضفت على العمل طابعا من المرح والضحك، خاصة في ظل وجود شخصية المخبر السري الذي يلازمه بشكل مرح من خلال كوميديا الموقف، وعمل مع الكدواني دويتو مثّل عنصرا لافتا في الفيلم.

اقرأ ايضاً
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.